U3F1ZWV6ZTQxOTk0ODg5NDUwMzQyX0ZyZWUyNjQ5NDAwNzU5OTU2NQ==

موؤدة في قمامة الأهالي.. قصة



  تعطلت شاحنة النفايات لعطب طارئ، وأجمل به من عطب ينقذ الحياة. في تأخر الشاحنة نفع عميم، ولو جاءت لكان في مقدمها الموت الزؤوم. وهناك في ناحية قصية ترقب السيدة "لهيفة"، ذات الشعر الأشقر، المُتلفعة بكمامة بيضاء، مقدم شاحنة القمامة. استبقتها السيدة "بخيثة"، ذات الشعر المدلي على الكتفين، بسيارة سوداء مربودة على بعد ميل من حاويات القمامة.

على حين غفلة من الناس، حملت السيدة "لهيفة" كيسا في يدها اليمنى وحقيبة في يدها اليسرى. انعطفت من طريق منحدرة رماها لتقاطع الطريق الوطنية الواسعة، حيث وُضعت حاويات القمامة في إحدى جوانبه، عندها توقفت دون التفات للميمنة ولا للميسرة، ورمت بالكيس في الحاوية، وفي سرعة البرق حملتها السيدة "بخيثة" فانطلقتا يسارعن الزمن ويتوارين عن نظرات المحدقين.

أما شاحنة النفايات فقد صلح عطبها، وأخذت في التحرك رويدا رويدا. وفي تزامن عجيب تحرك فتىً ألِف جمع كسرات الخبز، وفتات الخضر والفواكه، وشي من حديد قليل، أدخل يده في الحاوية فوجد الكيس في القمامة. وفي صدمة أبصر فيه رضيعا لم يمض على وضعه سوى يومين ونيف.

قصد الفتى نسوة على مقربة من نقطة تجميع النفايات، وأخبرهن بالنبأ فما كان منهن إلا أن فررن بجلدهن غير آبهات بالواقع وما وقع، وكلهن يتذكرن ما يُروى من وجع الذهاب والإياب إلى مخافر الدرك، وردهات المحاكم، ومقار الشرطة، فآثرن السلامة وراحة البال.

وحدها "رقية"، سيدة عجوز حملت نفسها وارتمت على الكيس غير آبهة بشيء. مدت يدها وفتحت الكيس، وفكت الخيط الملفوف على عنق الرضيعة، ورائحة مخدرة تزكم الأنوف تفوح منه، فجأة سمعت شهقة الحياة تندلف من أنف وفم الرضيعة. "لقد رجعت المسكينة للحياة"، قال المتحلقون حول الحاوية وشاحنة جمع القمامة.

في تلك اللحظة وفي ذاك المكان تساءلت السيدة "رقية" بينها وبين نفسها: هل يُطرح مثل هذا الجمال الملائكي في مكب النفايات؟ لكنها كانت تزيد من بهارات الطبخة والمرويات التي قصتها على الصحف الرقمية، وما لبث أن انتشر الخبر، وسارعت الصحافة بالالتحاق بعين المكان، فتقدمت السيدة "فاطنة" المتلفعة بمروطها، فأخذت الرضيعة في لهفة وأرضعتها حليب الأم الحنون، فانتعشت الرضيعة ورجعت لها الحياة بعد أن عاشت قسوة الظروف.

تحلق الناس عندما وصلت شاحنة النفايات، ومن جميل الأقدار عطب الشاحنة، فلو وصلت في موعدها لأدخلت الرضيعة في بساط النفايات وفي عداد الأموات.

لقد هربت الأم غير آبهة بشيء، وآثرت السلامة على مواجهة الحياة وأسئلة المجتمع، وذهبت في السيارة وهي تمخر عباب الطريق وتطوي المسافات، فجأة التقطتها الكاميرا والعين التي في الطريق. وفي اتساق الأحداث وصلت عناصر الدرك الملكي بعد أن بلغهم الخبر، وباشروا بسؤال هذا وذاك، فجأة قص عليهم "فادي" حارس أمن ناحية من نواحي الإقامة، خفايا ما وري عن الأهالي، فالكيس مر أمام عينه والحقيبة كذلك.

شرع "فادي" في وصف "لهيفة" و"بخيثة" والسيارة والكيس وأطال الحديث في أدق التفاصيل التي تطرب عناصر الشرطة لسماعها قصد التمكن من مسرح الجريمة. بعدها تحركت سيارة الدرك وهي تحمل الرضيعة للكشف عن حالها وإيداعها في محل لفاقدي الهوية، وهي التي رُميت بدون اسم، وخنقت بدون شفقة، ووئدت في قمامة الأهالي النتنة.

أمسى الحدث حديث القاصي والداني وزاد في إيقاعه نقله على مواقع الانترنيت المقتفية للأخبار، وشاع في وسائل التواصل الاجتماعي وعاء أحاديث الصدق والكذب والنميمة. مضى الشطر الأول من الليل أو يزيد، بعد أن انفض الناس، فعاد العرفاء إلى قرب المكان وانطلق مسار النقاش والتحليل والاحتمالات، فقصد البعض "فادي" عله يتذكر شاردة أو واردة لم يقصها على عناصر الدرك، غير أن القضية لازالت مفتوحة والجاني لم يسقط في يد الشرطة والدرك كي يعلم النبأ اليقين. 


الكاتب: عبد الله أموش
تعليقات
4 تعليقات
إرسال تعليق
  1. لا حول ولا قوة إلا بالله..هذه قطرة من سيل ما يحمله الواقع المر يوميا..وما أشدها من آفة أن ترمى الأرواح في القمامات،وما آلمه من واقع جعل الزواج من سقف الطموحات عوض أن يكون قنطرة لتحقيقها.."ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة"

    ردحذف
  2. لا حول ولا قوة إلا بالله.

    ردحذف
  3. حسبنا الله ونعم الوكيل

    ردحذف
  4. لاحول ولا قوه إلا الله

    ردحذف

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة